الجمعة، 1 جوان 2012

العقل وموقعه في المنهجية الإسلامية (1)

      موضوع المقال(*) في أصله بحث عن العقل في "محاولة لقول شيء أشبه ما يكون بفصل المقال فيما بين العقل والوحي من الاتصال والانفصال"[1]، حيث أنجزه الكاتب منذ أمد ولم يتمه إلى أن اطلع على مختصر منه بعض أصحابه فاستحسنوه وعاتبوه على عدم نشره، فكلفهم بنشر الملخص دون مراجعة منه خوفا من إطالته لسنوات أخرى.
   
     شمل المقال على مقدمة وثمانية عناصر أساسية فجاء في 25 صفحة وبدون قائمة المصادر والمراجع، حيث اكتفى الكاتب بذكرها في الهامش وهي في حدود 23 كتابا بين مصدر ومرجع، كما تنوعت مجالاتها بين الأصول والتراجم والمنطق والتاريخ والعقيدة وغيرها.

ملخص المقال:
    بدأ الكاتب مقاله بنص مقتبس من إحدى كتب الإمام الغزالي، وفيه بيّن الإمام سبب ذم بعض الناس للعقل والمعقول وردّ عليهم. ثم جاءت مقدمة المقال وفيها بيّن الكاتب ما للقراءة في الكون المسطور وفي الكون المنظور التي أحسنهما الصدر الأول من أهمية ودور في ازدهار الأمة ورُقيها، ويوم تخلت الأمة عنهما أو عن إحداهما دبّ الوهن فيها ورجعت كألم تكن شيئا، فحتى تستعيد هذه الأمة ريادتها ودورها لابد لها من إعادة تشكيل عقلها والتمكن من القراءتين معا حتى تحسن الأخذ بالأسباب التي تؤدي لأفضل النتائج. وعرض الكاتب بعض الجهود التي اهتمت بالعقل وكذا قصة نشر هذا المقال كما أوضحتها سابقا. لينتقل بعدها إلى صلب الموضوع مقررا منذ البداية أن موقف الإسلام من العقل واضح وبديهي، فقد اعتنى به القرآن وأوضح سبل تقويته وتربيته ورسم له الآفاق التي يصول فيها ويجول والحدود التي ينبغي أن يدخر جهده دونها حتى يستفيد منه الإنسان فيما هو أفيد له. وحكى الكاتب اتفاق كلمة العلماء على اعتبار العقل من ضرورات الحياة وأن الشرائع قصدت إلى حفظه.

حقيقة العقل ومراتب الإدراك:
نقل الكاتب عن إمام الحرمين الجويني تقريره بأن أحسن من اعتنى بحقيقة العقل هو الإمام الحارث المحاسبي، بخلاف غيره الذين اختلفوا وتنازعوا في كون العقل عرضا أو جوهرا وعلاقته بالنفس والروح. ولكن الكاتب فضل عرض ما قاله الإمام الغزالي عن معنى العقل فهو عنده يطلق على أربعة معان وهي:
         * الوصف الذي يفارق الإنسان به سائر البهائم وبه يكون مستعدا لتلقي العلوم النظرية،
         * العلوم الضرورية أو البدهية التي تظهر لدى الإنسان عند بلوغه سن التمييز،
         * مجموعة الخبرات والمعلومات المستفادة من التجارب،
         * ملكة الانضباط والسيطرة على النفس نتيجة العلم بعواقب الأمور.

فهذا التقسيم المعرف لحقيقة العقل كما قرر الكاتب يتناول العقل -باعتباره آلة- والمعقول -أي ما يستفاد من العقل. وفائدته في اشتماله على ما دارت تقاسيم الكلاميين والحكماء حولهما وهما العقل النظري والعقل العملي.
        أما الإدراك العقلي فيتفاوت بين العلم، الجهل، الظن، الوهم والشك ولكل خصائصه، كما أن المدركات العقلية تنقسم إلى قسمين: معارف ضرورية بدهية يضطر العقل إلى التسليم بها من دون تأمل ونظر، ومعارف نظرية مكتسبة تحتاج إلى تأمل ونظر لذلك يتفاوت العقلاء في إدراكها.

العقل في عصر التنزيل والصدر الأول:
يعترف الكاتب بصعوبة العثور على حد فاصل بين العقل والنقل في تلك الفترة وهذا نظرا لعدة أسباب منها: عجزهم أمام تحدي القرآن واستسلامهم لما جاء به وعدم التفكير إلا في تفهمه وتطبيقه، اكتفاؤهم بإجابات القرآن الشافية عن أسئلتهم المقلقة حول عالم الغيب، جمع القرآن بين عالمي الغيب والشهادة بصورة تجعل العقل منبهرا ومركزا على إدراك الحكم والغايات دون اشتغال بتفاصيل الماهيات التي لا فائدة منها، اكتشافهم للفرق الشاسع بين حياتهم في الإسلام وقبله تجعلهم في غنى عن مناقشة ما جاء به الوحي، كما أنه لم يكن هناك دافع للبحث في سلطان العقل وحاكمية النص لبداهة القضية عندهم فالإنسان يسخر كل طاقاته لإدراك ما وصله من الإسلام فإذا آمن انصرف عقله لممارسة وظائفه فيما يستطيع أن يسخر حواسه فيه، "فعالم الغيب عالم تحكمه عقائد تستقر في القلوب، وعالم الشهادة عالم يمارس فيه العقل وظيفته الاستكشافية التنظيمية مع سائر القوى التي هيأها الله تعالى في الوجود".[2]
....يتبع....


 

(*) الموضوع في أصله مقال نشر في مجلة إسلامية المعرفة في عددها السادس سنة 1996م. وصاحب المقال هو الأستاذ طه جابر العلواني.
لمعلومات أكثر عنه  السيرة الذاتية للكاتب 
[1] - طه جابر العلواني، العقل وموقعه في المنهجية الإسلامية، مجلة إسلامية المعرفة، ع 6، 1996م، ص11.
[2] - العلواني، ص 16

بقلم: حاج داود بهون علي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق