وأهمّ ما
ينبغي علينا فعله حتّى نعيش حياة فعالية وننجح في هذا الخضم النّشط والمعقّد هو
اكتشاف ذاتنا بوضوح ثمّ تطويرها وتوجيهها لبلوغ الأهداف، تلك الذّات[1] العجيبة الّتي تخفي في جنباتها الكثير من الأسرار والكنوز، تلك
الذات الّتي ألهمها الله ومنحها عقلا مميّزا مختارا فقال عزّ وجل:﴿ونفس وما سوّاها فألهمها فجورها
وتقواها، قد افلح من زكّاها وقد خاب من
دسّاها﴾
وتتعدّد طرق اكتشاف الذّات في عصرنا هذا حسب حاجتنا
واستعمالنا لها، فقد أصبحت الشركات تستعمل مختلف الاختبارات السيكومترية
لاختيارالموظّفين وتحديد المناصب بدقّة وإتقان، وأصبح علماء النّفس والتّربية
يستعملون طرقا شتّى لمعرفة أنماط الشّخصية والقيادة والذّكاء لدى التلاميذ، ومن
تمّ اتّخاذ قرارات وخطوات مناسبة تسهم في تنشئة طلبة ممتازين ومتفوّقين على مختلف
الأصعدة والميادين. أكيد أنّ
المجال لن يسع في مقالنا هذا لعرض كل تلك الطّرق والاختبارات المساعدة في اكتشاف
الذّات وتنميتها، وإنّما سنركّز على نظرية الذّكاءات المتعدّدة ونحاول أن نجد بعضا
من تطبيقاتها العملية في البيت والمدرسة.
يعرّف جاردنر
صاحب نظرية الذكاءات المتعدّدة الذكاء على أنّه مزيج من الصفات النفسية
والبيولوجية الّتي تمنح للإنسان القدرة على حل مشكلة ما مثل مسألة رياضية أو إبداع
جديد كتأليف قصيدة. هذا وقد خالف جاردنر من سبقه من العلماء من أمثال سبيرمان (Spearman) حين نفى كون الذكاء قدرة عامّة“general
capability” “g”موجودة عند جميع الأفراد
بدرجات متفاوتة، وأنّ هناك إلى جانب ذلك الذّكاء العام عدد من القدرات العقلية
الأساسية “S”مثل التحليل والتّذكر والاستدلال.
وقال العالم
جاردنر بأنه تجتمع لدى الإنسان
ذكاءات عديدة منفصلة بعضها عن بعض، وعددها في ثمانية:
الذكاء
المنطقي – الرياضي، الذكاء اللفظي – اللغوي، الذكاء البصري-المكاني، الذكاء
الموسيقي، الذكاء الجسمي-الحركي، الذكاء التأملي الذاتي، الذكاء التواصلي التعاوني،
الذكاء الطبيعي.
وكما يلاحظ
من تسميتها فقد تم اختيار تقسيم الذكاءات حسب وظيفتها في الحياة اليومية، وكذا حسب
منطقتها في الدّماغ فمثلا: الذكاء الموسيقى له وظيفة التعامل مع الأصوات وينتمي
إلى المنطقة اليمنى في الدّماغ حيث تعالج المعلومات المتلقّاة من الأذن.
توجد كلّ هذه
الذّكاءات لدى كلّ البشر، إلّا أنّها تتفاوت في مستوى الأداء من شخص لآخر؛ فمن
النّاس من يتمتّع بذكاء رياضي عال إلّا أنّه يعاني من نقص في مهارات الاتّصال
واللّغة، فهو ذكيّ رياضيا وهذا ما يجب تنميته واستثماره بألعاب الذّكاء والتدرّج
في حلّ المسائل الرّياضية المعقّدة مثلا، ويحتاج في نفس الوقت إلى دعم في اللّغة
حتّى يسلم نطقه وتعبيره، وذلك بكثرة السّماع للبرامج الإخبارية وكتابة قصص صغيرة
على سبيل المثال.
إنّه من
الأهمّية بمكان الوعي بأنّ هذه الذكاءات تنمو وتتطوّر بتطوّر عمر الإنسان، فمتى
وجد اعتناء وتعزيز لأحد الذّكاءات تقدّم وتطوّر إلى أن يصل إلى أعلى عطاءاته،
فيستطيع حلّ أعقد المشكلات وإنتاج أرقى الإبداعات، مثلا: إن بحثنا في سبب براعة
أطفال صغار في تربية الحيوانات من طيور وأغنام، وحفظ أسماء الحشرات والفطريات
(الذكاء الطبيعي)، لوجدنا أن ذلك راجع إلى كونهم يعيشون في الرّيف وفي أحضان عائلة
تمارس الزّراعة، ممّا جعلهم ينمّون قدراتهم العلمية ويطوّرون مواهبهم المتعلّقة
بالتّعامل مع الطّبيعة.
من هذا
المثال يتّضح مدى تأثير البيئة على تطوير ذكاء الطّفل، وتتّضح أيضا أهمّية تهيئة
المحيط للصّغار وحتّى الكبار، ليكتشفوا ميولهم وذكاءاتهم و يستغلّوها أحسن
استغلال. لا يكفي أن يعيش الفرد في حدود البيئة الّتي ولد فيها، بل عليه وعلى
والديه أن يكيّفوا المحيط ويوفّروا الوسائل الّتي تساعده على اكتشاف ذاته وذكائه،
ثمّ تطويرها واستغلالها.
إنّه من
المؤسف جدّا أن نجد أّناسا وُئدوا وهم صغار لأنّهم لم يجدوا من يساعدهم على معرفة
أنفسهم ويشجّعهم على استثمار مواهبهم. إنّه من المؤسف جدّا في عصر التحدّي
والمنافسة أن نسمع عن آباء يقابلون أبناءهم بالبرودة واللّامبالاة حين يقدم إليهم
أولئك الأبرياء برسومات أو أشغال يدوية أو حتّى كلمات أبدعوها وتفانوا في صنعها
وكلّهم أمل في أن ينالوا تشجيعا من أقرب النّاس إليهم. فعلى الآباء أن يدركوا
جيّدا أن حركات وسكنات أبنائهم هي انعكاس لطريقة تفكير وإحساس، ستتطوّر وتكبر في
نفس الشّخص إلى أن يرشد ويساهم بما معه من زاد في بناء أو هدم المجتمع.
قبل اتّخاذ
أيّ خطوة اتّجاه ابنك أو تلميذك قدّر عاقبة فعلك، فإبعادك إيّاه عن المجال الّذي
يليق بمواهبه وميولاته إنّما هو مساهمة في بناء مجتمع أعرج يفتقد إلى من ينسج
لباسه ويبني مسكنه. ووقوفك إلى جانبه باكتشاف باطنه وتطويره إنّما هو خطوة جادّة
في سبيل النّهوض بالأمّة.
حذار أن تصفع
العبقري !
حدث
ذلك في القرن السادس عشر في بلدة ألمانية في مدرستها الثانوية حيث برز (تشاوس)
كطالب ذكي فوق العادة، كلما طرح مدرس الرياضيات على طلابه سؤالا كان تشاوس يسبق
الجميع الى الاجابة، فيحرم بذلك زملاءه في الصف من فرص التفكير بالاجابة مما أوغر
صدورهم و صدر الأستاذ نفسه .
و ذات مرة أعطاه سؤالا تعجيزيا ليحد من هيمنته وسيطرته على الموقف فسأله ما يلي: أوجد ناتج جميع الأعداد من 1 الى 100، بعد خمس دقائق أجابه بصوت منفعل: 5050 فصفعه المدرس ناهرا: هل تمزح؟ أين مهارتك الرياضية وكيف توصلت الى هذه النتيجة؟
فقال تشاوس بعد أن تمالك نفسه: لقد اكتشفت أن هناك علاقة بين 99 و 1 ومجموعهما 100 وأيضا بين 98 و 2 ومجموعهما 100 ثم بين 97 و 3 ومجموعهما 100 وهكذا حصلت على 50 زوجا من الأعداد وبناء على ذلك ألّفت قانونا لحساب هذه المسألة هو :
و ذات مرة أعطاه سؤالا تعجيزيا ليحد من هيمنته وسيطرته على الموقف فسأله ما يلي: أوجد ناتج جميع الأعداد من 1 الى 100، بعد خمس دقائق أجابه بصوت منفعل: 5050 فصفعه المدرس ناهرا: هل تمزح؟ أين مهارتك الرياضية وكيف توصلت الى هذه النتيجة؟
فقال تشاوس بعد أن تمالك نفسه: لقد اكتشفت أن هناك علاقة بين 99 و 1 ومجموعهما 100 وأيضا بين 98 و 2 ومجموعهما 100 ثم بين 97 و 3 ومجموعهما 100 وهكذا حصلت على 50 زوجا من الأعداد وبناء على ذلك ألّفت قانونا لحساب هذه المسألة هو :
ناتج
جميع الأعداد من 1 الى n يساوي: n(n + 1)/2
و بتطبيقه على المسألة كان الناتج 5050 فدهش المدرس لهذه العبقرية، ولم يدرك أنه إنما صفع العالم الكبير ( فريدريك تشاوس ) أحد أشهر ثلاثة علماء رياضيات في التاريخ[2] .
و بتطبيقه على المسألة كان الناتج 5050 فدهش المدرس لهذه العبقرية، ولم يدرك أنه إنما صفع العالم الكبير ( فريدريك تشاوس ) أحد أشهر ثلاثة علماء رياضيات في التاريخ[2] .
بقلم: بكير ابراهيم الحاج امحمّد
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق