الجمعة، 18 نوفمبر 2011

ملخص لبحث الماجستير بعنوان: مستحضرات التنظيف والتجميل، في ميزان الشرع



تعد مستحضرات التنظيف والتجميل من أكثر المواد الاستهلاكية انتشارا، كما أن صناعتها هي من أكثر الصناعات رواجا. وقد كان مدار البحث على محورين رئيسين، هما: المضافات الحيوانية والمضافات الكيماوية التركيبية. فأما المضافات الحيوانية فباعتبار مصدرها، وحكم استعمالها في تراكيب مستحضرات التنظيف والتجميل، وقد تعرضت الدراسة لبحث حكم الانتفاع بالنجاسات والمحرمات، وتوصلت إلى أن الانتفاع بها لا يجوز إلا في حالات الضرورة وعدم وجود البديل الحلال، كما ناقش أيضا مسألتي الاستحالة والاستهلاك وتوصل إلى أنه لا يجوز اتخاذهما ذريعة لاستخدام
المحرم أو النجس سيما إذا كان لأمور كمالية كما هو الشأن مع أكثر مستحضرات التجميل. وأما في جانب المضافات الكيماوية التركيبية فقد ركزت الدراسة على ما يمكن أن تسببه هذه المضافات من أضرار جانبية وتوصل -على ضوء القواعد الفقهية والمقاصد الشرعية- إلى أنه لا يجوز استخدام شيء من تلك المضافات إذا كان في استعمالها ضرر على صحة الإنسان، وكذا استعمال المستحضر نفسه إذا كان يسبب ضررا، أما إذا كان استعمال تلك المضافات والمستحضرات لا يشكل خطرا إذا ما التزم مستخدمها بتوجيهات الخبراء فإن الخطاب سيتوجه إلى المستهلك بوجوب مراعاة إرشادات الاستعمال المتعلقة بذلك المضاف أو المستحضر. كما نبهت الدراسة على ضرورة استعانة فقهاء العصر بذوي الاختصاص للبت في مثل هذه القضايا المستجدة، لأن الحكم على الشيء فرع تصوره.
ومن أهم نتائج البحث، ما يأتي:  
  • يجب الالتزام في التنظف والتزين بالضوابط التي تعصم الإنسان من انتهاك المحاذير الشرعية، ومن أهم تلك الضوابط التزام الستر واجتناب الإسراف والتَّشبُّه المحرم، وتغيير خلق الله تعالى.
  • تستخلص أهم المضافات الحيوانية التي يمكن أن تدخل في تراكيب بعض مستحضرات التنظيف والتجميل من المصادر الآتية:
- أجزاء من ميتة الحيوان -وأهم تلك الأجزاء الشحم والصوف والعظم والجلود-، ومشيمة الآدمي والحيوان، والدم، وأجزاء من الخنزير -أهمها: الشحم- ، والبول، ومني الثور، والزباد.
- يجب الامتناع عن استخدام المضافات الحيوانية المحرمة في مستحضرات التنظيف والتجميل، مثل الميتة والدم والخنزير؛ لأنها أشياء تَعبَّدَنا الله تعالى بتحريمها علينا، فلا يسوغ لأحد أن يقدم على استعمالها بأي وجه من الوجوه في غير حالات الاضطرار، أو أن يتحايل على استعمالها.
- لما كانت أغلب مستحضرات التنظيف والتجميل من التحسينيات لم يسُغ إباحة المحظورات بسببها، باستثناء ما قد يستعمل منها لأغراض علاجية كبعض الكريمات، حيث إن استثناءها ممكن لضرورة العلاج إذا لم يتوفر بديل حلال.
- إذا اشتبه المسلم فيما ليس بحاجي، أو فيما يمكنه الاحتراز منه والحصول على بدائل طيبة فإن تركه يكون واجبا عليه، وهذا ينطبق على كثير من مستحضرات التجميل، حيث إنها لا تعدو كونَها من الكماليات ولا يتعذر الاحتراز عنها، كما أن الإنسان لا يتضرر بتركها.
- الأصل في الاحتياط الندب وقد يجب في بعض الحالات، وبالنظر إلى واقع الأمة في هذا العصر فإن الأخذ بالاحتياط -في كثير من الأمور- مما ليس منه بد، خاصة فيما يتعلق بما يستهلكه المرء في حياته اليومية ومن أهم تلك المواد مستحضرات التجميل، وذلك لما قد تحويه من مواد محرمة، ولما يمكن أن تسببه أيضا من أضرار جانبية، والقاعدة تَنُصُّ على أن الضرورة تُقدَّر بِقدْرِها.
- الشيء الذي تَعمُّ به البلوى -حتى يكون سببا للتيسير- يجب أن يكون مما: تمس الحاجة إليه ويعسر الاستغناء عنه، كما أنه يكون مما لا يحترزُ منه إلا بمشقة زائدة. وبإسقاط هذين القيدين على مستحضرات التنظيف والتجميل نجد أن أغلبها ليس مما تمس الحاجة إليه، باستثناء المنظِّفات وبعض الكريمات التي قد تستخدم لأغراض علاجية.
وإذا قيل بالتيسير في مستحضرات التنظيف والتجميل -مراعاة لعموم البلوى- فإن ذلك سيختلف حسب علاقة الإنسان بهذه المستحضرات:
أولا- المستهلك البسيط: وهو الذي لا تربطه علاقة بالمستحضرات إلا شراؤها واستعمالها، وليست له يد في صنعها، أو المتاجرة فيها. حيث إن التيسير ممكن في حقه -مراعاة لعموم البلوى- إن لم يجد من المستحضرات إلا ما هو مشتبه فيه، بحيث يكون عامًّا ومنتشرا، وتمسُّ حاجته إليه، أما غير ذلك مما هو شبهة ولا تمس الحاجة إليه فإن هذا التيسير لا يَطالُها.
ثانيا- المتاجر في مستحضرات التنظيف والتجميل: وهو كل من يُتاجر في المستحضرات، خاصة تجار الجملة، فدائرة التيسير في حق هؤلاء أضيق من دائرة المستهلك البسيط، إذ إنهم مطالبون بالمتاجرة فيما هو خال من الشُّـبَه والمحرمات، والسعيِ لتحصيل ما هو خال من المواد المحرمة، وغير متسبب في الأضرار الجانبية.
ثالثا- مُصنِّع مستحضرات التنظيف والتجميل: وينقسم إلى قسمين:
  1. من يصنع مستحضرات التنظيف والتجميل: فهذا يجب عليه أن يتحرى المواد الأولية الطيبة الحلال.
  2. من يصنع المواد الأولية التي تدخل في مستحضرات التنظيف والتجميل، فهذا أمره أشد؛ لأنه يعتبر الأساس في هذا الأمر، ولذلك فإنه لا يجوز له الإقدام على المصادر المحرمة من أجل أن يَأخذ منها المواد الأولية التي تستعمل فيما بعد في صناعة مستحضرات التنظيف والتجميل.
- الأضرار الجانبية التي يمكن أن تحصل بسبب مستحضرات التنظيف والتجميل، يمكن أن تحصر في ثلاث فئات:
أ- الأضرار الجانبية التي تكون بسبب عدم التزام مصنعي مستحضرات التنظيف والتجميل بمعايير التصنيع، التي تحددها الجهات المختصة.
ب- الأضرار الجانبية التي تكون بسبب قابلية الشخص للحساسية لا لسبب متعلق بالمستحضر، فالمستحضر يستخدمه أشخاص آخرون ولا يصيبهم منه أو من بعض مكوناته شيء.
ج- الأضرار الجانبية التي تكون بسبب الاستعمال السيِّئ للمستحضرات، حيث إن المستحضر يكون سليما ومستعملَه كذلك، إلا أن سوء استعمال الإنسان للمستحضر وعدم اتباع التعليمات يسبب لصاحبه بعض المشاكل الصحية.
والأضرار الحاصلة من تلك المستحضرات إما أن تكون: خفيفة، أو شديدة. فما كان منها ضررا خفيفا عابرا كالالتهاب الذي تسببه بعض العطور أحيانا، ولا ينتج عنه ضرر أكبر في المستقبل القريب أو البعيد نتيجة لتراكمات الاستعمال، فإنه لا يؤدي إلى حرمة استعمال ذلك المستحضر، وأما المستحضرات التي تسبب أضرارا شديدة فإنه لا شك في منع استخدامها.
  • مناط الحكم في الاستهلاك يرتبط بالأثر لا بالكمية، فكمية المواد المضافة إلى مستحضرات التنظيف والتجميل قد تختلف قلة وكثرة إلا أن الأثر يبقى موجودا دائما.
  • المواد المضافة المأخوذة من مصدر محرم إذا استحالت استحالة تامة فإنه يمكن القول بطهارتها، إلا أن القول بالطهارة لا يلزم منه حلِّية استعمالها. وفي حال بقاء المضافات المحرمة على حالتها الأولى، أو استحالت استحالة جزئية، فإنه لا يجوز استعمالها وكذا كل المستحضرات التي تحوي شيئا من تلك المضافات، خاصة ما كان ممكنا وُلُوجه إلى الجوف، مثل أحمر الشفاه ومرطباتها، ومعاجين الأسنان.
  • إذا لم يثبت كون المضاف في مستحضرات التنظيف والتجميل من مصدر محرّم ولم يتيسر معرفة حقيقتها فلا بدّ حينها من النظر في مدى الاشتباه في حرمتها. وهذا وارد مع جملة من المضافات مثل: أحاديات الغلسيريد وثنائياتها، وإستيرات أحاديات الغلسيريد، والجيلاتين، وقد رجح بعض أهل الاختصاص عدم استحالتها، يبقي البحث إذن في مصدرها إن من الحلال أم من الحرام.
  • شدد كثير من الفقهاء في الانتفاع بشيء من أجزاء الآدمي حتى في حالات الضرورة وذلك لكرامة الإنسان، وقيام بعض شركات مستحضرات التنظيف والتجميل باستخدام أجزاء بشرية مثل: قُلَفِ المختونين، ومشيمة الأجنة في بعض المستحضرات يعد امتهانا لكرامة الإنسان، وغير جائز شرعا لكون تلك المستحضرات من الكماليات، وإن رُخِّص في استعمالها فإن ذلك لا يكون إلا لأمور علاجية مع تعذر وجود البديل.
  • لابد للفقيه أن يفرق فيما يبحثه من أحكام شرعية بين ما خوطبت به الأمة كمجموع وبين ما خوطب به الأفراد، كما يشترط أن يكون بعيد النظر في مآلات الأفعال، فلا يفتي بالجواز بناء على التيسير إلاّ إذا اطمأن إلى عدم إفضاء الفعل إلى مفسدة راجحة. ومراعاة المآلات عند بحث موضوع مستحضرات التنظيف والتجميل أمر مهم للغاية لأنه تترتب عليه أمور شرعية وصحية واقتصادية.
  • رجوعُ الفقهاء إلى أهل الاختصاص أمر لابد منه لتَبيُّن حكم ما اشتُبِه فيه من مستحضرات التنظيف والتجميل، وللتحري أيضا في الدَّعَاوى المتعلِّقة بتلك المستحضرات وحقيقةِ المضافات التي تُقحَم فيها، وكذا الأضرار الجانبية التي يمكن أن تتسبب فيها.
  • يمكن أن تعالج ظاهرة استعمال المضافات المحرمة في مستحضرات التنظيف والتجميل الموجودة في واقع المسلمين بنوع من التدرّج ، فيُبدَأ مثلا باجتناب الحرام القاطع، أمّا ما اشتُبه فيه فلابد من الاجتهاد لتغييره ولو تطلب الأمر شيئا من الوقت وهكذا حتى يحِل الطيب بدل الخبيث.
توصيات البحث:
أولا: ينبغي للعلماء وأهل الاختصاص أن يعملوا على تحرِّي واقع مستحضرات التنظيف والتجميل وغيرها من المواد الاستهلاكية المصَنَّعَة، وفَرزِها وفقاً لمعايير الشَّرع، وتَبيِين ذلك للناس ليكونوا على بَـيِّنةٍ من أمرهم.
ثانيا: ينبغي للمتخصصين في علم الشرع أن يتبينوا حاجات الناس، ويميزوا في فتاواهم بين ما هو ضروري وحاجي وكمالي، وليحذروا من إباحة ما قويت شبهتُه وأمْكنَ الاستغناء عنه بدعوى الحاجة أو التيسير.
ثالثا: على مصنعي مستحضرات التنظيف والتجميل أن يلتزموا بالتعليمات التي تزودهم بها الجهات المختصة، من حيث الالتزام بقائمة المضافات المسموح بها، وتجنب ما هو ممنوعٌ منها، كما يجب عليهم أيضا الالتزام بمقادير المكونات التي يُحدِّدُها أهل الاختصاص.
رابعا: على المستهلك أن لا يتهاون بما يمكن أن تُلحِقَه بعض المستحضرات بِصحَّتِه، فينبغي له أن يستشير أهل الاختصاص من الأطباء في المستحضرات التي يمكنه استعمالها خاصة إن كان ممن يُعانون من حساسية تُجاهَ بعض المواد. وإن وَجَدَ بعض الأضرار الجانبية إثر استعماله لبعض المستحضرات فيجب عليه أن يتوقف فورا عن استخدامها مخافة أن يتطور ذلك الضرر بحيث يصعب علاجه. كما يجب عليه أيضا أن يتبع تعليمات الاستعمال التي تصحب عادة كل مستحضر، فذلك مما من شأنه أن يجنبه كثيرا من الأمراض.
خامسا: لابد من إنشاء مجمعات عِلمية شرعية تعنى بتتبع مثل هذه المستحضرات الموجودة في الأسواق، ودراسة مكوناتها وتتبع مصادرها، وتقدير نفعها وضررها، ليقرر المتخصصون في علم الشريعة بعد ذلك -بناء على تلك النتائج- اعتبار تلك المنافع أو إلغائها، وكذا تقرير جواز استعمالها أو عدمه.
سادسا: وأهم توصية يتوجه بها الباحث إلى حكومات البلدان المسلمة بأن يأخذوا زمام الأمر، وذلك بفرض رقابة صارمة على المستحضرات المسوَّقة في أراضيها، ومراقبة ما تُقحِمه مصانع هذه المستحضرات من مضافات، وأن تقوم بالإجراءات اللازمة في حال اكتشاف غش في تلك المستحضرات وغيرها من المواد الاستهلاكية من أجل حماية المستهلك. والحكومات إذا تدخلت لمعالجة الإشكالات التي تحصل في سوق هذه المستحضرات وغيرها من المواد الاستهلاكية فإنها ستحقق -في زمن وجيز- ما لا تحققه غيرها من المؤسسات في سنوات طوال.
والله تعالى أعلم وأحكم، والحمد لله رب العالمين
صالح بن يحي بوكراع

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق