(الحلقة الأولى) [1]
إن العالم
الراسخ في العلم لا تكون دائرة نشاطه محدودة بل إنها تكون واسعة الآمال، وبعيدة
الأهداف، تشتمل أقصى ما يمكن من خلق الله تعالى حتى لا تصاب بالشلل والفشل في
مهدها. وإن إحساسه بالمسؤولية الملقاة على عاتقه من وجوب التبليغ ووجوب الأمر
بالمعروف والنهي عن المنكر وجلب المصالح ودرء المفاسد بالعلم الذي يعتقده هو
الصواب تفرض عليه أن يتجاوز الحواجز الوهمية التي تقف عائقا أمام غيره من الناس. والعالم
مكلف أن يتخذ لذلك مختلف الأساليب الممكنة والوسائل المساعدة، ومنها الرحلات خارج البلاد
والمراسلات إلى داخل وخارج المحيط.
وسنحاول من
خلال المداخلة أن نبين مدى إشغال القطب لهاتين الوسيلتين وما هي النتائج الإيجابية
التي حققها في مختلف مجالات العلم والعمل.
من رحلاته:
الرحلة الحجازية الأولى: في سنة 1290هـ/1873م. ومكث فيها الشيخ عاما كاملا مجاورا للكعبة الشريفة فدرس
وألّف وكان يجيب أسئلة المستفتين. ومما درّسه كتاب «السنوسية في العقائد المالكية»
وحضر حلقاته علماء أجلاء مثل: أحمد زيني دحلان (ت1304هـ/1886م، صاحب الفتوحات الإسلامية)،
ورحمة الله الهندي (1303هـ/1888م، صاحب كتاب إظهار الحق والمناظرة الكبرى)، ومحمد حسب الله
(ت 1335هـ/1917، صاحب كتاب الرياض البديعة في أصول الدين وبعض فروع الشريعة)، والشيخ
محمد حقي التركي (ت1301هـ/1884م، صاحب كتاب السنوحات المكية).
وكانت له معهم
لقاءات ومناقشات يحضرون حلقته في الحرم المكي ويخدمونه تقديرا للعلم والعلماء. قال
عنهم القطب اطفيش «وكلهم محبون لي ولأموري[2]».
وهناك ألف لهم القطب كتاب «إيضاح المنطق في بلاد المشرق» فقال «ألفته في مكة،
ولعلماء مكة تطاول إليه[3]».
ويصف القطب هذه الحلقة العلمية في مكة قائلا:«وقد أقرأت السنوسية في المسجد الحرام
لأذكر نفائس دقائق التوحيد بالمنطق ولنقصر على قومنا نفوسهم وهو محفل عظيم معمور
بأصحابنا من العمانيين العلماء والطلبة وببعض الشافعية[4]».
وهذه الرحلة
المباركة كان لها الفضل في توسيع رواية الحديث ونشر السنة في هذه المناطق النائية
من الوطن الجزائري، قال القطب اطفيش: «وكانت كتب الحديث غير موجودة في مزاب ورأى
مالكي عالم من أهل مكة مزابيا ينسخ شرح النيل في مكة ولم يجد فيه الحديث كثيرا
وأعطاني البخاري ومسلما والترمذي وابن ماجه والنسائي وأبا داود وغير ذلك.. وأنا
حاضر في مكة، فانتفعت بتلك الكتب كما انتفعت بصحيح الربيع بن حبيب فجمعت منها
«وفاء الضمانة وجامع الشمل في حديث خير الرسل[5]».
وتوطدت علاقات
القطب اطفيش بعلماء مكة المكرمة فأصبحوا يراسلونه في مسائل فقهية مهمة ونذكر من
هؤلاء العلماء الشيخ زيني دحلان والشيخ رحمة الله الهندي والشيخ محمد حسبي الله
فقد أجابهم عن سؤال مهم وهو حكم صلاة العشاء في بلغاريا والمتوغلون في القطب
الشمالي في سنة 1296/1878 وذلك بعد خمس سنوات من رجوعه من الحج[6].
زيارته إلى تونس: سنة 1303هـ/1886م. يقول الشيخ سالم بن يعقوب:«أقام أياما في مدينة تونس
والتقى بعلماء جامع الزيتونة وتناقش معهم في عدة مسائل، وترك دويا هاما في أهل
العلم هناك»[7].
وقال القطب في ذلك:
فقالوا لها زيتونة تؤنس الورى فسمي ذاك المصر تونس وادرى
جامعه شـاعت إضـافته لها ولا زال يعلو الكفر أو يبلغ الذرى
يمينا لقد تزداد تونس بهجة بطود السخاء لا رأى عوض خيرا
(يتبع)
[1]
- أصل الموضوع ورقة مقدمة من طرف الأستاذين كروم حاج أحمد وحاج ابراهيم
عبد الرحمن في الملتقى الوطني الأول "الشيخ اطفيش القطب 1332هـ 1914م حياته وآثاره
وفكره" والذي نظمه معهد الآداب واللغات بالمركز الجامعي بغرداية الجزائر يومي
25 و26 أكتوبر 2011م.
[6] - القطب اطفيش: جواب لعلماء مكة مطبوع طبعة حجرية
سنة1301/1882م / القطب اطفيش مجموع رسائل القطب ص91 (مخطوط) / كشف الكرب ج2 ص31
إعداد: محمد تمزغين
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق